هذا اليوم هو عيد الأضحى المبارك، الذي جعله الله للمسلمين عيداً، ولمحمّد (ص) ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً.
هذا اليوم الذي أراد الله تعالى من خلاله أن يخلّد تلك الواقعة التي جسّدت التضحية بأعلى مظاهرها، في سبيل الله؛ والتي كان عنوانها الإسلام، إسلام العقل والقلب والحركة لله عزّ وجل؛ فلا إرادة للإنسان أمام إرادة الله.. عندما وقف إبراهيم (ع) ليُسلم أمره إلى الله عندما رأى في المنام أنّه يذبح ولده إسماعيل، وعندما استجاب إسماعيل (ع) لذلك وأسلم أمره إلى الله.. وفداه الله بكبش عظيم.
التقوى والتضحية
والخصوصيّة التي يجعل الله على أساسها العيد عيداً لا تقف عند الحدود المادّية للحدث، وإنّما ترتكز إلى صورة الحدث المادّية لتتجاوزه إلى الجانب الرمزيّ لما هو أسمى بُعداً، وأشمل زماناً، ولذلك قال الله تعالى: (لن ينالَ اللهَ لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم).
وحركة التقوى في الحياة هي العنوان الآخر للتضحية؛ ذلك الموقف الذي جمع إسلام الأب والابن؛ لتكون تضحية (ابراهيم (ع)) بلا حسابات: (يا بُنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك)، وتضحيةً (اسماعيل (ع) ) بلا تردّد: (قال يا أبتِ افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين)..
لقد مرّ إبراهيم وإسماعيل بامتحان التقوى؛ بالأمر الإلهيّ بالتضحية بأعزّ ما يملك الوالد؛ وهو الولد، وبأعزّ ما يملك الولد الشابّ؛ وهو النفس.. وكلٌّ منّا يمرّ بامتحان التضحية في حياته:
منّا من يمرّ بامتحان المال؛ بين أن يجمعه الإنسان من حلال وبين أن يجمعه من حرام..
منّا من يمرّ بامتحان الجاه، صغيراً كان أو كبيراً؛ هل يكون جاهاً لخدمة الناس أو لهضم حقوق الناس.. أو لسرقة أموال الناس، أو لأخذ المال من دون حقّ..
منّا من يمرّ بامتحان النفس؛ هل يضحّي بطاقاتها ليحرّكها في كلّ ما يُسقط إنسانيّتها، أو ينطلق ليرتفع بها إلى المستوى الأعلى في الإنسانيّة.. وهل يبذل الإنسان نفسه في خطّ الجهاد عندما يدعوه الواجب للدفاع عن بلاد الأمّة، أو تعزّ عليه نفسه فيوقعها والأمّة في الذُلّ والمهانة والاحتلال..
منّا من يمرّ بامتحان الموقف؛ عندما يقف بين الحقّ والباطل، وبين العدل والظلم، وبين الاستقامة والانحراف، وبين الإصلاح والفساد.. والحقّ يكلّف، والعدل يكلّف، والاستقامة والإصلاح كلّ ذلك يكلّف الإنسان الكثيرمن الخسارة بشكل وبآخر.. فهل يضحّي بالكثير من المكاسب الزائلة في مقابل أن يقف موقفاً في جانب الحقّ والعدل والإصلاح بين الناس؟
منّا من يمرّ بامتحان الشهوة؛ بين الشهوة الحرام والشهوة الحلال.. فهل يتحمّل الإنسان الحرمان عندما يريد الواقع أن يكسر إرادته لينفّس عنها في الحرام.. وكثيرة هي أبوابها في هذا العصر..
إنّ السؤال الذي لا بدّ أن يسأله كلّ واحدٍ منّا لنفسه: إلى أيّ مدىً أنا مستعدٌ للتضحية بالمال الحرام ولو كنت في أمسّ الحاجة إليه، والبقاء في حالة الفقر والحاجة في طاعة الله عزّ وجل؟
إلى أيّ مدى يُمكن أن نتنازل عن الكرسي، كرسي الوزارة أو الرئاسة أو النيابة أو ما إلى ذلك عندما يدفعنا الموقع إلى أن نكون من أعوان الظلمة، أو المروّجين للفساد والمفسدين..؟
إلى أيّ مدى أكون مستعدّاً لقول الحقّ ولو على نفسي أو الوالدين والأقربين.. أو أنصف الناس من نفسي ولو كنت أحمل لهم مشاعر سلبيّة..؟
إلى أيّ مدى أجسّد في حياتي القيم الأخلاقيّة في تعاملي مع الناس، حتّى لو كان الواقع كلّه يسخر منّي، أو يرميني بالسذاجة عندما أحاول أن أعيش الصدق في القول والعمل في كل ميادين الحياة؟
نماذج في الشجاعة والتضحية
في تاريخنا نقرأ أنّ النبيّ (ص) خُيّر بين المُلك وبين الدعوة، فقال: والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر أو أهلك دونه..
وفي تاريخنا أنّ عليّاً (ع) قال: والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت..
وفي تاريخنا أنّ الحسين (ع) رفض أن يُعطي بيده إعطاء الذليل، وأن يقرّ إقرار العبيد، حتى نال الشهادة حاملاً لواء الإصلاح في أمّة الإسلام..
وفي تاريخنا سليمان الذي آتاه الله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فقال: {هَ?ذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ}.. وفي مقابله قارون الذي آتاه الله {مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى? عِلْمٍ عِنْدِي من الكنوز }
في تاريخنا داود الذي قال الله له: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}، وفي مقابله فرعون الذي قال الله عنه: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ }
في تاريخنا نماذج للطغاة وللخانعين وللمفسدين وللمنحرفين، وللمستسلمين لهم، والمروّجين لسلطانهم؛ وفي مقابل ذلك نماذج لأئمة العدل، والأحرار، والمُصلحين والمستقيمين.. وكلّنا يقرأ تاريخ هؤلاء وتاريخ هؤلاء؛ ولكنّنا نستغرق في التاريخ، وفي رموز التاريخ هنا وهناك، وفي انتصارات التاريخ وهزائمه، وفي خلافات التاريخ وصراعاته، ونغفل عن كلّ النماذج المشابهة لهؤلاء وأولئك في واقعنا، فنرجم المصلحين في الحاضر في الوقت الذي نمجّد فيه مصلحي التاريخ، ونسبّح باسم الطغاة والمفسدين في الواقع ونحن نرجم أمثالهم في التاريخ.. أليس هذا ما نعيشه في كثير من أوضاعنا وحركتنا السياسية والاجتماعيّة وما إلى ذلك؟!
واقع المسلمين
ألسنا نجد في نماذج الحاضر من هو مستعدٌ لأن يقتل الأبرياء، أو من هو مستعدّ لأن يرهن كلّ قضايا الأمّة، أو أن يمرّر كلّ الفتن التي تفتك بجسم الأمّة، أو لرهن نفسه وشعبه وأمّته لمشاريع الاستكبار؛ فقط لأجل أن يبقى على كرسي الحكم، هو أو عائلته أو حزبه أو ما إلى ذلك؟!
ألسنا نجد في كثير من نماذج الحاضر من هم رحماء مع الأعداء، مع الصهاينة والمستكبرين والمحتلّين، أشدّاء على بعضهم البعض؟..
ألسنا نجد اليوم في كثير من نماذج الحاضر من {يوادّون من حادّ الله ورسوله}، أو يقولون عن أعداء الأمّة: {هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً}، أو الذين {يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين} وما إلى ذلك ممّا سطّره الله في كتابه ممّا ينطبق على كثير من الزعماء والأنظمة السياسيّة والأحزاب وما إلى ذلك..
ومع ذلك، يُراد لنا أن نُخدع كمسلمين، سنّة وشيعة، لنتلهّى بحديث الخلافة والإمامة، أو لننفّس عن كثير من صراعات التاريخ بالسبّ أو باللعن أو ما إلى ذلك، ويعذر بعضنا الظالمين لأنّه ينتمي ـ اسماً لا قيماً ـ إلى مذهبنا، ويرفض بعضنا قول الحقّ لأنّه سيُفيد أتباع المذهب الآخر، ويعين بعضنا الآخرين في مؤامرات لأنّها ستخلّصنا من فريق نشنؤه، أو جماعة نتعقّد منها..
أين كتابُ الله من واقعنا؟!
إنّ الانتماء للتسنّن ليس إلا انتماء لما تقتضيه هذه الآيات القرآنيّة على أرض الواقع، والانتماء للتشيّع ليس إلا انتماء لما تقتضيه هذه الآيات القرآنيّة على أرض الواقع.. من لا يجسّد القرآن عندما يحكم على الحاضر في كلّ رموزه وأقواله وأفعاله ومواقفه، ليس شيعيّاً ولا سنّياً بالمعنى القيمي للتشيّع والتسنّن..
كفانا خداعاً لأنفسنا.. وكفانا استماعاً لبوق الفتنة التي تريد أن تحرفنا عن قرآننا، وعن سنّة نبيّنا (ص)، حتى كدنا أن يجعل كلّ فريق لنفسه إلهاً يختلف عن آله الفريق الآخر؛ لأنّ الأمّة المعنيّة بالقسمة هي أمّة لن تترك شيئاً إلا وستقسّمه، أو تمذهبه وتطيّفه..
إنّ قيمة هذا العيد هي بمقدار ما نحقّق في أنفسنا من الإسلام، بما يعنيه من التسليم والاستسلام المطلق لله؛ {إذ قال له ربّه أسلم قال أسلمتُ لربّ العالمين} .
وقد كان هذا المستوى من التضحية لدى إبراهيم (ع) هو نتيجة كلّ التاريخ الذي عاش فيه الإسلام فكراً؛ حينما رفض كلّ السجود للأصنام أو للكواكب، وقولاً؛ حيث قال: {إنّي وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين}، وعملاً؛ حين حمل فأسه وكسّر أصنام الحجارة التي يعبدها قومه من دون الله.
إنّ درس العيد الذي يُريدنا الله أن نأخذه من كل تلك الشعائر والمناسك هي أن ننطلق في خطّ التقوى فنضحّي بكل ما يسخط الله إلى ما يُرضيه، في القول والفعل والمنهج؛ وأستغفر الله لي ولكم والحمد لله ربّ العالمين.
الخطبة الثانيـــة
في هذا اليوم المُبارك، ثمّة نُسكان يقوم بهما حجّاج بيت الله الحرام؛ رمي الجمار والهدي..
الإستكبار العالمي: شياطين الإنس
أمّا النسك الأوّل فيجسّد البُعد السياسي للحجّ في ما يرمز إليه من حركة الإنسان في كلّ مواقع الحياة، حيث يتّخذ الإنسان موقفاً مبدئيّاً من الشيطان في حياته الذي منه شيطان الجنّ وشيطان الإنس.. وإنّ الشيطان الأكبر اليوم متمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية، والمتحالفون معها شياطين صغار وأواسط.. وحركة أولئك الشياطين تتجسّد في عدد من المظاهر الخطيرة التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي:
1- مشاريع التفتيت والتقسيم، وهذا ما يواجهه السودان اليوم بأوضح صوره.
2- الاحتلال المتنقّل؛ من العراق إلى أفغانستان، إلى اليمن الذي يُراد له أن يدخل في لعبة الأمم من الباب الواسع..
3- المؤامرات التي تتحرّك في اتّجاه أكثر من موقع للقوّة الإسلاميّة، بدءاً من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، إلى سوريا، إلى لبنان..
4- الفتن، وفي مقدّمها الفتنة المذهبيّة التي تجد لها أرضاً خصبة في واقعنا، بسبب العصبيّة والجهل المستشري في عقل الأمّة وذهنيّتها وحركتها في إدارة خلافاتها الطبيعيّة. ومن الفتنة ضرب كلّ حركة في سبيل تقريب المواقف؛ ليبقى التكفير والإلغاء هو الطابع العامّ الذي يمكّن المستكبرين من تحقيق مشاريعهم العدوانيّة تجاه الأمّة.
5- الاستمرار في دعم الكيان – الجريمة الدوليّة، المتمثّل بكيان الغصب على أرض فلسطين، لكي يُكمل المشروع الاستكباري في احتلال كلّ فلسطين، ويكون غدّة سرطانيّة في قلب العالم الإسلامي، مانعاً من وحدته، وعابثاً بأمنه..
والمطلوب في الأضحى، أمام كلّ ذلك، أن نضحّي بأحقادنا وعصبيّاتنا؛ فلا نسمح لأيّ فتنة تلعب على وتر الخلاف الطبيعي بين المسلمين أن تفتن بينهم. وأن نضحّي بالجبن أمام حركة المستكبرين والطغاة وبأيدينا الكثير من أوراق القوّة، وفي مقدّمها المقاومة انطلاقاً من قول الله عزّ وجلّ: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة} وقوله تعالى: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين}.. وأن نضحّي بتقديس الذلّ والضعف أمام مشاريع الهيمنة والتفتيت التي تحرّكها قوى الاستكبار والاستعمار في واقعنا..
هذا هو ما يقتضيه النُسك الأوّل الذي لا ينبغي أن يقف عند حدود الأحجار التي نرمي بها الجمرات، بل يتعدّاها إلى الموقف الذي نقفه في مواجهة كلّ حركة للشيطان على أرض الواقع.
التكافل الإجتماعي والاقتصادي
أمّا النسك الثاني، فهو الهدي، ذبحاً أو نحراً للأنعام التي أريد من خلالها تحقيق مبدأين:
الأوّل: التكافل الاجتماعي بين الأمّة؛ ولا نقصد هنا التكافل بين الأفراد؛ لأنّ المطلوب اليوم هو التكافل بين الدول الإسلاميّة، وأن ينطلق ذلك على أساس الإحساس بالمسؤوليّة، لا على أساس استغلال الحاجات في سبيل تحقيق مصالح ضيّقة هنا وهناك.. كما قال رسول الله (ص): "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسهر".
الثاني: الالتفات إلى القوّة الاقتصاديّة التي يتمتّع بها العالم الإسلاميّ؛ فلا يرهن طاقاته لحساب مصالح المستكبرين، أو يبيعها بأرخص الأثمان، كما لا نسمح ـ كأمّة ـ بأن تذهب ثروات الأمّة إلى جيوب الحكّام والمسؤولين الذين يبقون خُدّام الأمّة، وعليهم أن يكونوا أمناء على مقدّراتها..
لقد حدّد العالم المستكبر، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، عدوّه المقبل، وهو الإسلام، وكلّ ما يجري في العالم اليوم هو صدىً لذلك الإعلان، وهو ترجمة عمليّة لكل الخطط التي تنطلق بها مراكز الدراسات والأبحاث، ويجري تسويقها في واقعنا عبر شعارات يعمل الكثيرون على إلباسها لبوس الإسلام والحقّ والعدالة وما إلى ذلك..
لنبدأ من اليوم حركة إسلاميّة في خطّ التغيير؛ تغيير أنفسنا من الداخل حتّى نستطيع أن نغيّر الواقع من حولنا؛ والله تعالى يقول: {إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}؛ والحمد لله ربّ العالمين
الإستكبار العالمي: شياطين الإنس
أمّا النسك الأوّل فيجسّد البُعد السياسي للحجّ في ما يرمز إليه من حركة الإنسان في كلّ مواقع الحياة، حيث يتّخذ الإنسان موقفاً مبدئيّاً من الشيطان في حياته الذي منه شيطان الجنّ وشيطان الإنس.. وإنّ الشيطان الأكبر اليوم متمثّل بالولايات المتحدة الأمريكية، والمتحالفون معها شياطين صغار وأواسط.. وحركة أولئك الشياطين تتجسّد في عدد من المظاهر الخطيرة التي تعصف بعالمنا العربي والإسلامي:
1- مشاريع التفتيت والتقسيم، وهذا ما يواجهه السودان اليوم بأوضح صوره.
2- الاحتلال المتنقّل؛ من العراق إلى أفغانستان، إلى اليمن الذي يُراد له أن يدخل في لعبة الأمم من الباب الواسع..
3- المؤامرات التي تتحرّك في اتّجاه أكثر من موقع للقوّة الإسلاميّة، بدءاً من الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، إلى سوريا، إلى لبنان..
4- الفتن، وفي مقدّمها الفتنة المذهبيّة التي تجد لها أرضاً خصبة في واقعنا، بسبب العصبيّة والجهل المستشري في عقل الأمّة وذهنيّتها وحركتها في إدارة خلافاتها الطبيعيّة. ومن الفتنة ضرب كلّ حركة في سبيل تقريب المواقف؛ ليبقى التكفير والإلغاء هو الطابع العامّ الذي يمكّن المستكبرين من تحقيق مشاريعهم العدوانيّة تجاه الأمّة.
5- الاستمرار في دعم الكيان – الجريمة الدوليّة، المتمثّل بكيان الغصب على أرض فلسطين، لكي يُكمل المشروع الاستكباري في احتلال كلّ فلسطين، ويكون غدّة سرطانيّة في قلب العالم الإسلامي، مانعاً من وحدته، وعابثاً بأمنه..
والمطلوب في الأضحى، أمام كلّ ذلك، أن نضحّي بأحقادنا وعصبيّاتنا؛ فلا نسمح لأيّ فتنة تلعب على وتر الخلاف الطبيعي بين المسلمين أن تفتن بينهم. وأن نضحّي بالجبن أمام حركة المستكبرين والطغاة وبأيدينا الكثير من أوراق القوّة، وفي مقدّمها المقاومة انطلاقاً من قول الله عزّ وجلّ: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة} وقوله تعالى: {ولله العزّة ولرسوله وللمؤمنين}.. وأن نضحّي بتقديس الذلّ والضعف أمام مشاريع الهيمنة والتفتيت التي تحرّكها قوى الاستكبار والاستعمار في واقعنا..
هذا هو ما يقتضيه النُسك الأوّل الذي لا ينبغي أن يقف عند حدود الأحجار التي نرمي بها الجمرات، بل يتعدّاها إلى الموقف الذي نقفه في مواجهة كلّ حركة للشيطان على أرض الواقع.
التكافل الإجتماعي والاقتصادي
أمّا النسك الثاني، فهو الهدي، ذبحاً أو نحراً للأنعام التي أريد من خلالها تحقيق مبدأين:
الأوّل: التكافل الاجتماعي بين الأمّة؛ ولا نقصد هنا التكافل بين الأفراد؛ لأنّ المطلوب اليوم هو التكافل بين الدول الإسلاميّة، وأن ينطلق ذلك على أساس الإحساس بالمسؤوليّة، لا على أساس استغلال الحاجات في سبيل تحقيق مصالح ضيّقة هنا وهناك.. كما قال رسول الله (ص): "مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسهر".
الثاني: الالتفات إلى القوّة الاقتصاديّة التي يتمتّع بها العالم الإسلاميّ؛ فلا يرهن طاقاته لحساب مصالح المستكبرين، أو يبيعها بأرخص الأثمان، كما لا نسمح ـ كأمّة ـ بأن تذهب ثروات الأمّة إلى جيوب الحكّام والمسؤولين الذين يبقون خُدّام الأمّة، وعليهم أن يكونوا أمناء على مقدّراتها..
لقد حدّد العالم المستكبر، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، عدوّه المقبل، وهو الإسلام، وكلّ ما يجري في العالم اليوم هو صدىً لذلك الإعلان، وهو ترجمة عمليّة لكل الخطط التي تنطلق بها مراكز الدراسات والأبحاث، ويجري تسويقها في واقعنا عبر شعارات يعمل الكثيرون على إلباسها لبوس الإسلام والحقّ والعدالة وما إلى ذلك..
لنبدأ من اليوم حركة إسلاميّة في خطّ التغيير؛ تغيير أنفسنا من الداخل حتّى نستطيع أن نغيّر الواقع من حولنا؛ والله تعالى يقول: {إنّ الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم}؛ والحمد لله ربّ العالمين
التاريخ: 10 ذو الحجة 1431 هـ الموافق: 16/11/2010 م
0 التعليقات:
إرسال تعليق